فصل: تفسير الآيات (68- 69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (47- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [47- 48].
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} أي: مثل ذلك الإنزال، أنزلنا إليك الكتاب. أي: أنزلناه مصدقاً لسائر الكتب السماوية: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ} أي: العرب: {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} أي: فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لما يكفل سعادة الدارين في شرائعه وقضاياه، على أميّ لم يعرف بالقراءة والتعلم، خارق للعادة. وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي، ونفي للتجوز في الإسناد: {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ، لقالوا: لعله تعلمه أو كتبه بيده، من كتبٍ مأثورة عن الأنبياء.
تنبيه:
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب. وفيها ردّ على من زعم أنه كتب. انتهى.
وقال ابن كثير: وهذه صفته في الكتب المتقدمة. كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً لا يحسن الكتابة ولا يخط سطراً ولا حرفاً بيده. بل كان له كتَّابٌ يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم. ومن زعم، من متأخري الفقهاء، كالقاضي ابن الوليد الباجي ومن تابعه، أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري: ثم أخذ فكتب وهذه محمولة على الرواية الأخرى: ثم أمر فكتب ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي، وتبرأوا منه وأنشدوا في ذلك أقوالاً وخطبوا به في محافلهم. وإنما أراد الرجل أعني الباجي فيما يظهر عنه. أنه كتب ذلك على وجه المعجزة. لا أنه كان يحسن الكتابة. وما أورده بعضهم من الحديث، أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل له. انتهى.
وقال الشهاب: وممن ذهب إلى أنه كان يحسن الكتابة، أبو ذرّ الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة. وصنف فيه كتاباً، سبقه إليه ابن منبه. ولما قال أبو الوليد ذلك، طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف. فأجابوا بما يوافقه. وأن معرفة الكتابة بعد أميّتِهِ لا تنافي المعجزة. بل هي معجزة أخرى. لكونها من غير تعليم. ورد الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: كتب فمعناه أمر بالكتابة. انتهى.

.تفسير الآيات (49- 50):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [49- 50].
{بَلْ هُوَ} أي: القرآن: {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي: العلماء به وحفاظه. وهما من خصائص القرآن كون آياته بينات الإعجاز، وكونه محفوظاً في الصدور، يتلوه أكثر الأمة ظاهراً. بخلاف سائر الكتب. فإنها لم تكن معجزات، وما كانت تقرأ إلا من المصاحف. ومنه ما جاء في صفة هذه الأمة «صدورهم أناجيلهم». كذا في الكشاف {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} يعنون ما كانوا يقترحونه في تعنتهم: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} أي: هو يملك إنزالها، ولو شاء لفعل: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: ليس من شأني إلا الإنذار وإبانته، لا الإتيان بما تقترحونه. ثم أشار إلى أن في آية تنزيل الكتاب، غنية عن كل آية مقترحة. لما أن الدور انقلب من الآيات الآفاقية، إلى الآيات العلمية، وفاقاً لسنة الترقي، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (51- 56):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [51- 56].
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} أي: آية مغنية عما اقترحوه: {أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي: وفيه نفسه من الآيات والمعجزات ما لا يرتاب معه إلا من سفه نفسه، وكابر حسه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة بالغة ظاهرة: {لَرَحْمَةً} أي: لنعمة عظيمة في هدايته إلى الحق وإلى صراط مستقيم: {وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: تذكرة لقوم، همهم الإيمان دون التعنت: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أي: إني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم، وإنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب. يعني. كفى علمه بذلك. وجوز أن يكون المعنى شهيداً بصدقي بالتأييد والحفظ، أي: هو شاهد على ما جئت به، مصدق له تصديق الشاهد لدعوى المدعي.
قال ابن كثير: أي: فلو كنت غير محقّ، لانتقم مني، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44- 47]، وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به. ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات. انتهى {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: فلا يخفى عليه حالي وحالكم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} أي: استهزاء: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً} أي: لكل عذاب أو قوم، وهو وقته المعين له فيهما: {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} أي: عاجلاً: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} أي: فجأة في الدنيا. كوقعة بدر. فقد كانوا لغرورهم لا يتوقعون غلبة المسلمين. أو في الآخرة عند نزول الموت بهم: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} أي: ستحيط بهم. أي: يستعجلونك بالعذاب وهو واقع بهم لا محالة. أو هي كالمحيطة بهم. لأن كل آت قريب.
{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: جزاءه: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} وهذا خطاب لمن لم تمكنه عبادته تعالى وحده في أرضه، لإِيذائه في الله واضطهاده في جانبه، أن يهاجر عنها إلى بلد ما، يقدّر أنه فيه أسلم قلباً، وأصح ديناً، وآمن نفساً. وأن يتجنب المقام في بلده على تلك الحالة، كيلا يفتنه الكافرون. أو يعرض نفسه للتهلكة، وقد جعل له منها مخرج. وكون أرض الله واسعة، مذكور للدلالة على المقدر. وهو كالتوطئة لما بعده. لأنها مع سعتها، وإمكان التفسح فيها، لا ينبغي بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده. كما قيل:
وكل مكان ينبت العز طيب

وقال آخر:
إذا كان أصلي من ترابٍ فكلُّها ** بلادي، وكلُّ العالمين أقاربِي

وقد روى الإمام أحمد عن الزبير: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البلاد بلاد الله والعباد عَبَّاد الله. فحيثما أصبت خيراً فأقم». ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك فوجدوا خير نزل بها، عند ملكها النجاشيّ رحمه الله. ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة المنورة، عملاً بالآية الكريمة. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (57- 61):

القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [57- 61].
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} تحريض على العبادة وإخلاص الدين بتذكير الموت والرجعى. أو تسلية للمهاجر إلى الله، وتشجيع له، بأن لا يثبطه عن هجرته خوف الموت بسببها. فلا المقام بأرضه يدفعه، ولا هجرته عنه تمنعه. وفيه استعارة بديعة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم، مُرِّه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ثم أشار تعالى إلى كفالته لمن هاجر إليه، من الفقر والضيعة، بقوله سبحانه: {وَكَأَيِّنْ} أي: وكم: {مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي: لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أي: يقيّض لها رزقها على ضعفها، ويرزقكم مع قوتكم واجتهادكم. فهو الميسّر والمسهّل لكل مخلوق من رزقه ما يصلحه. فلا يختص رزقه ببقعة دون أخرى، بل خيره عامّ وفضله شامل لخلقه، حيث كانوا وأنَّى وجدوا. وقد ظهر مصداق كفالته تعالى لأولئك المهاجرين، بما وسع عليهم وبسط لهم من طيب الرزق ورغد العيش وسيادة البلاد في سائر الأمصار. وهذا معنى ما ورد مرفوعاً: «سافروا تصحوا وتغنموا» رواه البيهقيّ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} يعني هؤلاء المشركين الذين يعبدون معه غيره: {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي: اعترافاً بأنه المنفرد بخلقها: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: فكيف مع هذا الاعتراف يصرفون عن عبادته وحدَه، ويشركون به ما لا يضر ولا ينفع. وكثيراً ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعرفون بذلك.

.تفسير الآيات (62- 64):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [62- 64].
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي: فيفعل بعلمه، ما تقتضيه حكمته {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي: على أن جعل الحق بحيث لا يجترئ المبطلون على جحوده. وأنه أظهر حجتك عليهم. والمعنى: احمد الله عن جوابهم المذكور على إلزامهم وظهور نِعَمٍ لا تحصى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون} أي: فلذلك يتناقضون حيث ينسبون النعمة إليهم، ويعبدون غيره. وقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} إشارة إلى ازدراء الدنيا وتحقير شأنها، وكونها في سرعة زوالها، وتقضّي أمرها، كما يلهّى ويلعب به الصبيان، ثم يتفرقون عنه. ولا ثمرة إلا التعب. ففي الحصر تشبيه بليغ: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} أي: دار الحياة الخالدة. ففيه مضاف مقدر. والحيوان مصدر سميّ به ذو الحياة، في غير هذا المحل. وإيثاره على الحياة لما فيه من البالغة. لأن فعلان بالفتح في المصادر الدالة على الحركة: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي: لم يؤثروا عليها الدنيا التي حياتها عارضة. وهذا جواب الشرط المقدر. لعلمه من السياق. وكونُها للتمني بعيد.

.تفسير الآيات (65- 67):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [65- 67].
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: الدعاء. لعلمهم أنه لا ينجيهم من الغرق سواه: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي: من نعمة النجاة وربح التجارة: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي: عاقبة ذلك حين يعاقبون: {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أهل مكة: {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} أي: لا يُغْزى أهله، ولا يغار عليهم، مع قلتهم وكثرة العرب: {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} أي: يختلسون قتلاً ونهباً وسبياً: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} أي: أفبعد هذه النعمة الظاهرة وغيرها من النعم، التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، يكفرون خيره، ويشركون معه غيره.

.تفسير الآيات (68- 69):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [68- 69].
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} بأن زعم أن له شريكاً: {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} يعني الرسول أو الكتاب: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} أي: موضع إقامة، جزاء افترائهم وكفرهم. بلى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} أي: جاهدوا النفس والشيطان والهوى وأعداء الدين، من أجلنا ولوجهنا: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي: سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا. وذلك بالطاعات والمجاهدات: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} أي: أعمالهم بالنصر والمعونة.